لي صديقة من إحدى دول الخليج -مهندسة- لما سكنت عندنا في المملكة، أبدت سعادتها وراحتها النفسية حيث قالت: إيه الآن شعرت أنني أثنى، فزوجي قبل أن يخرج يسألني ماذا أحتاج، وأنا في بيتي المكيَّف وبين صغاري أصنع غدائي، وأحمد الله ألف مرة على هذه العيشة الهنية الرغيدة!! لقد كنت أعيش في دوامة محرقة!! أخرج بسيارتي منذ الصباح الباكر لأوزع أطفالي على مدارسهم، ثم أتوجه لعملي الميداني في عز الظهيرة، ثم أعود لأجمعهم مرة أخرى، وأتوقف عند أقرب سوبر ماركت لأشتري منه حاجياتنا، وبعدها أصل إلى البيت وإذا أنا قد إنتهيت وخارت قواي.. بعد المغرب يبدأ الصغار بمطالبتي بالخروج والفسحة هنا وهناك، وهكذا هي حياتي، نكد وشقاء، الحمد لله الذي أبدلني خيراً منها.
يسعدني إهتمام الرجل بالمرأة عموماً، كما يدهشني كثيراً حرص بعض الرجال على مصلحة المرأة، ربما أكثر من المرأة نفسها! ويتضح هذا بشكل خاص في الحرص المستميت في جزئية قيادتها للسيارة؟!!
وليس المجال هنا للحديث عن آراء المؤيدين والمعارضين لهذا الموضوع، فهيئة كبار العلماء حسمت الأمر في ذلك، وكذلك قيادتنا الرشيدة.
ما أريد الحديث عنه هو أولئك الرجال الرقيقون، والمتعاطفون مع المرأة، والذين كرسوا أوراقهم وأقلامهم وصحفهم، وجاهدوا بكل ما يملكون من طاقة وفلسفة وذكاء في سبيل إبراز منافع تلك القيادة، وإظهار أن المرأة مظلومة لأنها ممنوعة منها!!!
أشكركم كثيراً فلم تقصروا أبداً في تنقيب عقولكم والبحث في زوايا أنفسكم عن فائدة ومنفعة في قيادتها، مختبئة هنا أو هناك لتضيفوها جذلين إلى ما سبق أن جمعتموه.
وإنني لأتساءل: هل هذه القضية هي أهم قضية تحتاجها المرأة؟!
أين أنتم عما يقع في بعض البيوت من عنف ضد الفتاة والمرأة؟
أين أنتم عن قضايا الفقر الذي تعيشه بعض النساء، حيث تقوم بكل عمل يمكن أن تقوم به امرأة لتعيل أسرة هدها الفقر والعوز بلا عائل ومنفق، تبكي ليل نهار وتستحي أن تمد يدها وهي ابنة تلك العائلة أو هذه الأسرة؟!!
أين أنتم من حقوق المطلقات والأرامل التي تضيع بين سيطرة بعض الأوصياء وظلمهم؟!
لماذا كل جهودكم مكرسة للطبقة الغنية التي تستطيع توفير ثمن تلك السيارة؟ فإن الطبقة الفقيرة -المحتاجة في رأيكم للقيادة- لن تستطيع توفير ثمنها!!
أيها الرجال الحريصون علينا! حلوا لنا مشكلة البطالة.. أثيروا في صحفكم ما يحدث في المجتمعات العربية القريبة منا بعد قيادة الفتاة من إنفلات الأمور، وتعرضها للكثير من التحرشات بل والظلم من قبل الرجال الذين يقودون في نفس الطريق من تجاوز متعمد، بل بصق على السيارة بكل إهانة!!
أترون أن هذا هو الوقت المناسب للقيادة؟! وهو الوقت الذي إنتشر فيه السعار الجنسي، فكل ما حولنا يصرخ به -فضائيات، كليبات، ستار أكاديمي، تشات وصور.. إلخ- والآن تريدون إكمال الناقص وصب البنزين على النار لتنطلق الفتاة -مهما كان إيمانها وثقتها بنفسها- لتسير في طرقات المدينة وأطرافها، حيث يُختطف الشباب فضلاً عن البنات!! أوَ تظنون أنها في مأمن من ذلك؟!!
وهل يسعدكم الزحام في طرقات البلد؟ وتفرحون بتضاعف عدد السيارات؟!!
ثم لماذا لا تدرسون أحوال النساء في الدول العربية والخليجية، وترون كم الفارق بيننا وبينهم في سعادة المرأة وحريتها وضمان حقوقها، وقلة نسب الطلاق والمشكلات الزوجية، وحالات الإجهاض وغيرها بالنسبة إلى الدول الأخرى؟
إيه أيها الشرفاء! دعونا في حالنا، نحن مرتاحات في وضعنا الحالي، وسعيدات جداً!!
ثم من خولكم بالمطالبة بقيادتنا؟ هل أخذتم موافقة كل نساء المملكة؟!!
يا إخوتي! أنصحكم أن لا تضيعوا وقتكم معنا، وأن تلتفتوا لأنفسكم، حيث حجرتم ذواتكم في قوالب ضيقة، تفنون أعماركم وجهودكم فيها، وتتهمونا دائماً بالتحجر!!
أشكركم مرة أخرى!!
الكاتب: هند السويلم.
المصدر: مجلة حياة العدد 62.